القدس والغنوشي: بين الخوف والرجاء

محمد محمود مرتض

يأتي يوم القدس هذا العام على وقع حراك كبير في فلسطين المحتلة، حيث ينشط الفلسطينيون بشكل اسبوعي على الاقل بما اطلق عليه اسم “مسيرات العودة”. في وقت تشير فيه كل المؤشرات ان يوم القدس هذا العام لن يكون كبقية الاعوام بسبب العديد من التطورات:

  1. الحراك الفلسطيني في الداخل.
  2. نقل واشنطن لسفارتها الى القدس.
  3. الحديث عما بات يعرف باسم “صفقة القرن” ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
  4. تسارع خطى التطبيع بين العدو الاسرائيلي وبعض الدول العربية لا سيما الخليجية منها.وعلى اي حال، ففي البداية لا بد من الاشارة الى أن الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية مع إسرائيل تُعرّف التطبيع بأنه “المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمّم خصيصاً للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفراداً كانوا أم مؤسّسات)، ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني”. وتعتبر الحملة الفلسطينية المستقلّة أن “أهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية”.ورغم الدعوات الشعبية والحزبية الداعية للإسراع بسنّ هذا القانون اختار البرلمان التونسي، للمرة الثانية تأجيل النظر في مشروع القانون الذي تقدّمت به مجموعة من الكتل النيابية. وقد أثار هذا التأجيل ردود أفعال غاضبة وصلت إلى حدّ اتهام رئيس البرلمان والائتلاف الحاكم بـ “الخيانة”.صحيح ان هذا الموقف المتذبذب من اقرار مشروع القانون يبدو غريباً لكن الاغرب أن يكون الموقف الرافض له يصدر من حزب النهضة تحديداً.وفي مقابلة متلفزة، استغرب نائب رئيس حركة النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو المطالبة بسن قانون لتجريم التطبيع. والغريب في موقف الشيخ مورو، وهو المنظر الاسلامي الكبير، ان يعتبر ان لا معنى للتجريم. موضحا ان التطبيع موقف سياسي فهل يعقل ان نسجن شخصا لأنه عمل عملا فيه تطبيع مع “اسرائيل”. معتبرا ان هذا لا يصح ولا مسوغ قانوني له.ومع ذلك، وبمعزل عن البحث الفقهي، فان الجمهور العام، التونسي وغير التونسي، لئن اصيب بخيبة امل من موقف حركة النهضة المتعلق بمشروع قانون تجريم التطبيع، فان خيبة الامل هذه نابعة من أن هذا الجمهور يراهن بلا شك على موقف تاريخي من الحركة وقيادتها، خاصة ان هذه القيادة قد عانت ما يشبه الى حد ما من معاناة الشعب الفلسطيني، أعني عندما تم نفي قيادات الحركة في عهد النظام السابق الى خارج تونس. ويأسف هذا الجمهور الكبير ان تكون المواقف تجاه رفض مشروع القانون مرتبطة بضغوطات غربية، لا سيما أميركية، تحاول ان تربط بين سن القوانين والمساعدات التي يقول الغرب انه سيقدمها لتونس. وفي حال صحت هذه المقولات فإنها ستدحض دعوى القائل ان الدول “المانحة” لا تضع الشروط مقابل المساعدات الاقتصادية.
  5. في يوم القدس هذه السنة نقول: مما لا شك فيه ان الرهان على حركة النهضة في نصرة فلسطين كبير جداً لا سيما اذا ما نظرنا الى التاريخ الفكري الغني للدكتور الغنوشي المرتبط بفلسطين ودعم قضيتها، وبقدر هذا الرهان، فان الخيبة بسبب رفض النهضة لمشروع التجريم لن تكون أقل منه. لان الجمهور التونسي وغير التونسي، المحب لكل تونس كما هو محب لفلسطين ، يعيش بين خوف من ان تخضع حركة النهضة للضغوط الدولية، ورجاء في ان تبقى النهضة، وكل تونس، وفيّة للقضايا العربية الاساسية وفي طليعتها القدس وفلسطين.
  6. ومهما يكن من امر، فمن غير الواضح معنى كلام الشيخ مورو، فهل يقصد انه غير جائز من الناحية الشرعية سجن او انزال عقوبة بحق انسان عمل عملا فيه تطبيع مع العدو الاسرائيلي؟ اننا اذا غضضنا النظر عن البحث حول المسوغات الشرعية حول سن مثل هذه القوانين وفق الكتب المعتبرة، وهي بلا شك لا تخفى على الشيخ مورو، فان المسوغ البديهي هو في نصرة شعب مسلم تعرض لهذا الكم من الظلم.
  7. موقف النهضة الرافض لمشروع القانون عبر عنه أكثر من قيادي في الحركة. فقد نسبت بعض المصادر لزعيم حركة النهضة الشيخ الدكتور راشد الغنوشي رفضه للمشروع بدعوى انه سيُلحق أضراراً بالنهضة داخليّاً وخارجياً. وان كان البعض يطعن بصحة صدور هذا الكلام عن الغنوشي، فان كلام رئيس الوزراء الاسبق القيادي في حركة النهضة “علي العريض” واضح لا لبس فيه، ويعبر عن موقف النهضة الرافض لمشروع قانون التجريم؛ حيث وصف “العريضي” القانون بأنه “لا يحل مشكلة قائمة، ولم يطلبه الفلسطينيون باعتباره لن يضيف لهم شيئا، وإنما يضع تونس أمام مشاكل جديدة وعويصة مع عدد كبير من الدول الشقيقة والصديقة، ومع عديد المؤسسات الدولية”. كما اعتبر العريضي أن “تونس لا تحتاج إلى سنّ مشروع قانون لتجريم التطبيع،” داعيا إلى أن “يكون التعاطي مع كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الأمنية؛ متّسما بأعلى درجات الروية والتمحيص”، كما شدد على “ضرورة تجنّب التسرع والانفعال والمزايدات عند تناول هذه المواضيع الأكثر خصوصية وحساسية من الملفات الاقتصادية والاجتماعية”.
  8. لكن الذي اثار حفيظة الداعين الى سن هذا القانون، ليس موقف البرلمان التونسي فحسب، والذي عدّه البعض موقفا تسويفياً، وانما أيضا بعض العمليات التي يدرجها البعض تحت خانة “التطبيع الناعم” وذلك في اشارة الى ما جرى من السماح بمشاركة “ميشال بوجناح”، الفنان الكوميدي التونسي ذو الأصول اليهودية، المعروف بمواقفه المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، في مهرجان قرطاج الدولي (في تموز/ يوليو من سنة 2017)، رغم الرفض الشعبي لذلك.
  9. اذا عدنا قليلا الى الوراء فإننا سنجد أن موضوع تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في تونس تم طرحه أولا كمشروع قانون في المجلس التأسيسي سنة 2012؛ من قبل نواب يتبعون أحزاب المؤتمر ووفاء وآخرين، والتحق به مشروع آخر في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2015 عندما قدمت “الجبهة الشعبية”، وهي ائتلاف من أحزاب يسارية مشروع قانون يجرم أي صلة قد تبدو “تطبيعا” للعلاقات بين تونس و”إسرائيل”.
  10. ومقابل هذا المشهد، يُرصد مشهد آخر في الساحة التونسية ويتعلق بما يعرف “بقانون تجريم التطبيع مع اسرائيل”. ولعل التركيز على تونس يعود لكونها ، بخلاف هذا المشهد المنقسم حول مشروع القانون، من الدول العربية القليلة التي تشهد حراكا شعبيا داعما لفلسطين بشكل دائم ومستمر.

أضف تعليق